أصدقاء الرخــــــاء !!!
يقول المثل السائر ( الصعاب تظهر الأصحاب ) فما أكثر أصدقاء الرخاء وما أقل أصدقاء الشدائد فكل الناس في الرخاء أصدقاء و أعوان وعلى وجه الخصوص من كانت الدنيا له مقبلة بمنصب أو مال فالناس ميالون لمن ملك المنصب أو المال فيكثر سماره ويتقاطر له تقاطر النحل للزهر فتجدهم يخدمون صاحب المنصب و المال ولو لم يجدوا عنده نفعا الآن على أمل أن ينفعهم آجلا لا عاجلا أو يتزينوا بصحبته ، لغرض التباهي في أوساط معارفهم وأصدقائهم , لكن إذا قلبت له الدنيا ظهر المجن ، وأوكست بعد ان كست وأوحلت بعد أن حلت وادبرت تلك النعم بعد ان أقبلت وحلت النغم وانفض السوق ، يصبح أصدقاء الأمس يتنكرون أفضاله وينسون أيامه . ولذلك توجب على العاقل الفطن وصاحب الفطرة السليمة عدم الركون إلى الناس مطلقا بل الركون إلى الله وحده والاتكال عليه في كل الأحوال والأمور , لأن الناس سحابة صيف وتقشع وذباب طمع يتزود بزاد ثم يطير وسيكون جزاء المعروف التنكر والشماتة والتشفي ، فمثل هؤلاء الأصدقاء خفاف عند الطمع ثقال عند الفزع .. والأيام دول ، فمن سره زمن ساءته أزمان والمصاعب تكشف معادن البشر فمنهم التبر ومنهم التراب ، فإذا زارتك شدة فاعلم أنها سحابة صيف عن قليل تقشع .. ولايخيفك رعدها ولايرهبك برقها فربما كانت محملة بالغيث .. وخير المصائب ما تكشف لك معادن الآخرين ، فالذهب يفتتن بالنار
يقول الحريري موصياً ابنه :-
لا تغتر ببني الزمان ولا تقل عند الشدائد لي أخ و حميم
جربتهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل و الحميم حميم
(والمعاقر هو : من يسمر معك ، و الآل الأولى هي : القرابة ، والثانية : السراب ، و الحميم الأول : الصديق الصاحب ، والحميم الثاني : الماء الحار المؤذي )
و لقد سأل حكيم كم صديق لك ؟؟؟
قال : لا أعلم لأن الدنيا مقبلة عليَّ و الأموال موجودة لديَّ و إنما أعرف ذلك لو زالت الدنيا و ذهبت الأموال .
فالصديق الحقيقي من تجده في الشدة قبل الرخاء ، وفي الكرب قبل الفرح ، من إذا مرضت عادك ، وإذا فرحت فرح لفرحك ، من يذكرك بالطاعات ، وينهاك عن المحرمات ، من تشكو إليه همومك ويشكو إليك همومه ، وقد ورد في الحديث الشريف سبعة يظلهم الله في ظله ... ( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) فالصداقة الحقة تنشأ في الحق وتعيش مع الحق وتبحث عن الحق فرقة واجتماعاً .
قال الإمام الشافعي - رحمه الله :
إذا المـــــرء لا يرعــاك إلا تكلــفـا *** فــدعــــه ولا تكثر عليـــــه التأســفـا
ففى الناس أبدال وفى الترك راحة *** وفى القلــب صبـر للحـبـيـب ولو جفا
فلا كـــل من تــهواه يهواك قــلبــه *** ولا كل من صــافيتــه لك قــد صــــفا
إذا لم يكن صفو الـوداد طبـيــــــعة *** فلا خـــيـــر فـى خـل يجىء تكــــلفــا
ولا خير فى خــل يخـــون خليـلــــه *** ويـــلقــاه من بعــد المـــودة بالجفـــا
وينكر عيشـــا قــــد تقــدم عــهـــده *** ويظـــهر ســراً كان بالأمس قد خفا
ســلام على الدنيـا إذا لم يكن بهــا *** صديق صدوق صادق الوعد منصفا